فصل: تفسير الآيات (72- 75):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (72- 75):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)}
ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به، وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم، لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلباً لما عند الله، وإجابة لداعيه {والذين ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ} هم الأنصار، والإشارة بقوله: {أولئك} إشارة إلى الموصول الأوّل والآخر، وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده، ويجوز أن يكون {بَعْضُهُمْ} بدلاً من اسم الإشارة، والخبر {أَوْلِيَاء بَعْضٍ} أي: بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة، وقيل المعنى: إن بعضهم أولياء بعض في الميراث.
وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه: {وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ}.
قوله: {والذين ءامَنُواْ} مبتدأ، وخبره {مَا لَكُم مّن ولايتهم مّن شَئ}. قرأ يحيى بن وثاب والأعمش، وحمزة {من ولايتهم} بكسر الواو. وقرأ الباقون بفتحها، أي ما لكم من نصرتهم وإعانتهم، أو من ميراثهم، ولو كانوا من قراباتكم لعدم وقوع الهجرة منهم {حتى يُهَاجِرُواْ} فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة {وَإِنِ استنصروكم} أي: هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا، إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين {فَعَلَيْكُمُ النصر} أي: فواجب عليكم النصر {إِلا} أن يستنصروكم {على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ} فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم، حتى تنقضي مدته. قال الزجاج: ويجوز فعليكم النصر بالنصب على الإغراء.
قوله: {والذين كَفَرُواْ} مبتدأ خبره {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} أي: بعضهم ينصر بعضاً ويتولاه في أموره، أو يرثه إذا مات، وفيه تعريض للمسلمين بأنهم لا يناصرون الكفار ولا يتولونهم، قوله: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} الضمير يرجع إلى ما أمروا به قبل هذا من موالاة المؤمنين ومناصرتهم على التفصيل المذكور، وترك موالاة الكافرين {تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض} أي: تقع فتنة إن لم تفعلوا ذلك {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} أي: مفسدة كبيرة في الدين والدنيا، ثم بيّن سبحانه حكماً آخر يتعلق بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله والمؤمنين الذين آووا من هاجر إليهم ونصروهم وهم الأنصار، فقال: {أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون حَقّاً} أي: الكاملون في الإيمان، وليس في هذا تكرير لما قبله فإنه وارد في الثناء على هؤلاء، والأوّل وارد في إيجاب الموالاة والنصرة، ثم أخبر سبحانه أن {لَهُمْ} منه {مَغْفِرَةٍ} لذنوبهم في الآخرة ولهم في الدنيا {رّزْقٌ كَرِيمٌ} خالص عن الكدر طيب مستلذ. ثم أخبر سبحانه بأن من هاجر بعد هجرتهم وجاهد مع المهاجرين الأوّلين والأنصار فهو من جملتهم، أي من جملة المهاجرين الأوّلين والأنصار في استحقاق ما استحقوه من الموالاة والمناصرة، وكمال الإيمان والمغفرة والرزق الكريم، ثم بيّن سبحانه بأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم في الميراث، والمراد بهم القرابات فيتناول كل قرابة.
وقيل المراد بهم هنا: العصبات، قالوا: ومنه قول العرب: وصلتك رحم، فإنهم لا يريدون قرابة الأم. قالوا: ومنه قول قتيلة:
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ** لله أرحام هناك تشقق

ولا يخفاك أنه ليس في هذا ما يمنع من إطلاقه على غير العصبات، وقد استدل بهذه الآية من أثبت ميراث ذوي الأرحام، وهم من ليس بعصبة ولا ذي سهم على حسب اصطلاح أهل علم المواريث، والخلاف في ذلك معروف مقرر في مواطنه.
وقد قيل: إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والنصرة عند من فسر ما تقدّم من قوله: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} وما بعده بالتوارث، وأما من فسرها بالنصرة والمعونة فيجعل هذه الآية إخباراً منه سبحانه وتعالى بأن القرابات {بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله} أي: في حكمه، أو في اللوح المحفوظ، أو في القرآن، ويدخل في هذه الأولوية الميراث دخولاً أوّلياً لوجود سببه، أعني القرابة {أَنَّ الله بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ} لا يخفى عليه شيء من الأشياء كائناً ما كان، ومن جملة ذلك ما تضمنته هذه الآيات.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ} الآية قال: إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل، منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه، وفي قوله: {والذين ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ} قال: آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة، وشهروا السيوف على من كذب وجحد، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض، وفي قوله: {والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُوا} قال: كانوا يتوارثون بينهم إذا توفى المؤمن المهاجر بالولاية في الدين، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر، فبرّأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال: {مَا لَكُم مّن ولايتهم مّن شَئ حتى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ استنصروكم في الدين فَعَلَيْكُمُ النصر إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثاق} كان حقاً على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدوّ الذي لا ميثاق لهم، ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا {والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُوا} فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيباً مفروضاً، لقوله: {وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} الآية، وفي رواية لابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله: {أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} قال: يعني في الميراث جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام {والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ} ما لكم من ميراثهم من شيء {حتى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ استنصروكم في الدين} يعني: إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار على عدوّ لهم، فعليهم أن ينصروهم إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، فكانوا يعملون على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية: {وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} فنسخت الآية التي قبلها، وصارت المواريث لذوي الأرحام.
وأخرج أبو عبيد، وأبو داود، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه أيضاً في هذه الآيات قال: كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن، ولا يرث الأعرابي المهاجر، فنسختها هذه الآية {وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عنه، أيضاً قال: قال رجل من المسلمين: لنورثنّ ذوي القربى منا من المشركين، فنزلت: {والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}.
وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة».
وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه، عن أسامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً، ثم قرأ: {والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} الآية».
وأخرج ابن سعد، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن الزبير بن العوام قال: أنزل الله فينا خاصة معشر قريش {وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله} وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان. فواخيناهم ووارثناهم فآخونا، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد، وآخى عمر فلاناً، وآخى عثمان بن عفان رجلاً من بني زريق بن أسعد الزرقي، قال الزبير: وآخيت أنا كعب بن مالك، ووارثونا ووارثناهم، فلما كان يوم أحد قيل لي: قد قتل أخوك كعب بن مالك، فجئته فانتقلته فوجدت السلاح قد ثقلته فيما يرى، فوالله يا بنيّ لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري، حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار، فرجعنا إلى مواريثنا.
وأخرج أبو داود الطيالسي، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وورّث بعضهم من بعض، حتى نزلت هذه الآية: {وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب.

.سورة التوبة:

هي مائة وثلاثون آية.
وقيل: مائة وسبع وعشرون آية.
ولها أسماء: منها سورة التوبة؛ لأن فيها التوبة على المؤمنين.
وتسمى الفاضحة؛ لأنه ما زال ينزل فيها: ومنهم ومنهم حتى كادت أن لا تدع أحدا.
وتسمى البحوث؛ لأنها تبحث عن أسرار المنافقين.
وتسمى المبعثرة والبعثرة البحث.
وتسمى أيضا بأسماء آخر كالمقشقشة؛ لكونها تقشقش من النفاق: أي تبرئ منه.
والمخزية؛ لكونها أخزت المنافقين.
والمثيرة؛ لكونها تثير أسرارهم.
والحافرة؛ لكونها تحفر عنها.
والمنكلة؛ لما فيها من التنكيل لهم.
والمدمدمة؛ لأنها تدمدم عليهم.
وهي مدنية.
قال القرطبي: باتفاق.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: نزلت براءة بعد فتح مكة.
وأخرج ابن مردويه عنه قال: نزلت سورة التوبة بالمدينة.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير نحوه.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة نحوه أيضا.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء قال: آخر آية نزلت: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} وآخر سورة تامة براءة.
وقد اختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أولها على أقوال:
الأول: عن المبرد وغيره: أنه كان من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا، ولم يكتبوا فيه بسملة، فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقرأها عليهم، ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادة العرب.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: سألت علي بن أبي طالب لم لا تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة نزلت بالسيف.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ما حملكم ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن الأنفال وبراءة أسورتان أو سورة؟ قال: سورتان.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة قال: يسمون هذه السورة سورة التوبة، وهي سورة العذاب.
وأخرج هؤلاء عن ابن عباس قال في هذه السورة: هي الفاضحة ما زالت تنزل ومنهم حتى ظننا أنه لا يبقى منا أحد إلا ذكر فيها.
وأخرج أبو الشيخ عن عمر نحوه.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن أسلم أن رجلا قال لعبد الله بن عمر: سورة التوبة فقال ابن عمر: وأيتهن سورة التوبة؟! ثم قال: وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هي؟ ما كنا ندعوها إلا المقشقشة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: يسمونها سورة التوبة، وإنها لسورة عذاب.
وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق قال: كانت براءة تسمى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المبعثرة؛ لما كشفت من سرائر الناس.
وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال: كانت براءة تسمى المنقرة نقرت عما في قلوب المشركين.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أبي عطية الهمداني قال: كتب عمر بن الخطاب: تعلموا سورة براءة، وعلموا نساءكم سورة النور.
ومن جملة الأقوال في حذف البسملة أنها كانت تعدل سورة البقرة أو قريبا منها، وأنه لما سقط أولها سقطت البسملة، روي هذا عن مالك بن أنس وابن عجلان.
ومن جملة الأقوال في سقوط البسملة أنهم لما كتبوا المصحف في خلافة عثمان اختلف الصحابة؛ فقال بعضهم: براءة والأنفال سورة واحدة. وقال بعضهم: هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان، وتركت بسم الله الرحمن الرحيم؛ لقول من قال هما سورة واحدة، فرضي الفريقان. قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما.
وقول من جعلهما سورة واحدة أظهر لأنهما جميعا في القتال وتعدان جميعا سابعة السبع الطوال.

.تفسير الآيات (1- 3):

{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)}
قوله: {بَرَاءةٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} برئت من الشيء أبرأ براءة، وأنا منه بريء: إذا أزلته عن نفسك، وقطعت سبب ما بينك وبينه، وبراءة مرتفعة على أنها خبر مبتدأ محذوف: أي هذه براءة، ويجوز أن ترتفع على الابتداء، لأنها نكرة موصوفة، والخبر {إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ}. وقرأ عيسى بن عمر {براءة} بالنصب على تقدير: اسمعوا براءة، أو على تقدير: التزموا براءة، لأن فيها معنى الإغراء، و{من} في قوله: {مِنَ الله} لابتداء الغاية متعلق بمحذوف وقع صفة، أي واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم. وقرأ روح وزيد بنصب {رسوله} وقرأ الباقون بالرفع. والعهد: العقد الموثق باليمين. والخطاب في عاهدتم للمسلمين، وقد كانوا عاهدوا مشركي مكة وغيرهم بإذن من الله ومن الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعنى: الإخبار للمسلمين بأن الله ورسوله قد برئا من تلك المعاهدة بسبب ما وقع من الكفار من النقض، فصار النبذ إليهم بعهدهم واجباً على المعاهدين من المسلمين، ومعنى براءة الله سبحانه، وقوع الإذن منه سبحانه بالنبذ من المسلمين لعهد المشركين بعد وقوع النقض منهم، وفي ذلك من التفخيم لشأن البراءة والتهويل لها والتسجيل على المشركين بالذلّ والهوان ما لا يخفى.
قوله: {فَسِيحُواْ في الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} هذا أمر منه سبحانه بالسياحة بعد الإخبار بتلك البراءة، والسياحة: السير، يقال: ساح فلان في الأرض يسيح سياحة وسيوحاً وسيحاناً، ومنه سيح الماء في الأرض وسيح الخيل، ومنه قول طرفة بن العبد:
لو خفت هذا منك ما نلتني ** حتى ترى خيلاً أمامي تسيح

ومعنى الآية: أن الله سبحانه بعد أن أذن بالنبذ إلى المشركين بعهدهم أباح للمشركين الضرب في الأرض والذهاب إلى حيث يريدون، والاستعداد للحرب هذه الأربعة الأشهر، وليس المراد من الأمر بالسياحة تكليفهم بها. قال محمد بن إسحاق وغيره: إن المشركين صنفان: صنف كانت مدة عهده أقلّ من أربعة أشهر، فأمهل تمام أربعة أشهر، والآخر كانت أكثر من ذلك فقصر على أربعة أشهر، ليرتاد لنفسه، وهو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيث يوجد، وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر، وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر، فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم، وذلك خمسون يوماً: عشرون من ذي الحجة وشهر محرم.
وقال الكلبي: إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد دون أربعة أشهر، ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر الله أن يتمّ له عهده بقوله: {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ} ورجح هذا ابن جرير، وغيره. وسيأتي في آخر البحث من الرواية ما يتضح به معنى الآية: {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} أي: اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز، ولكن لمصلحة ليتوب من تاب، وفي ذلك ضرب من التهديد، كأنه قيل: افعلوا في هذه المدّة كل ما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات، فإنكم لا تفوتون الله وهو مخزيكم: أي مذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالعذاب، وفي وضع الظاهر موضع المضمر، إشارة إلى أن سبب هذا الإخزاء هو: الكفر، ويجوز أن يكون المراد: جنس الكافرين، فيدخل فيه المخاطبون دخولاً أوّلياً.
قوله: {وَأَذَانٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الأكبر} ارتفاع أذان على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو على أنه مبتدأ وخبره ما بعده على ما تقدّم في ارتفاع براءة، والجملة هذه معطوفة على جملة {بَرَاءةٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} وقال الزجاج: إن قوله: {وأذان} معطوف على قوله: {براءة}. واعترض عليه بأن الأمر لو كان كذلك لكن {أذان} مخبر عنه بالخبر الأوّل، وهو {إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ مّنَ المشركين} وليس ذلك بصحيح. بل الخبر عنه هو {إِلَى الناس} والأذان بمعنى: الإيذان، وهو الإعلام، كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء. ومعنى قوله: {إِلَى الناس} التعميم في هذا: أي أنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون قوم، فهذه الجملة متضمنة للإخبار بوجوب الإعلام لجميع الناس، والجملة الأولى متضمنة للإخبار بالبراءة إلى المعاهدين خاصة، و{يَوْمَ الحج} ظرف لقوله: {وأذان} ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس، أو لكون معظم أفعال الحج فيه.
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية، فذهب جمع، منهم: عليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن أبي أوفى، والمغيرة بن شعبة، ومجاهد، أنه: يوم النحر. ورجحه ابن جرير.
وذهب آخرون منهم: عمر، وابن عباس، وطاوس، أنه: يوم عرفة. والأوّل: أرجح؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر. قوله: {أَنَّ الله بَرِئ مّنَ المشركين وَرَسُولُهُ} قرئ بفتح (أن) على تقدير: بأن الله برئ من المشركين. فحذفت الباء تخفيفاً. وقرئ بكسرها؛ لأن في الإيذان معنى القول، وارتفاع {رسوله} على أنه معطوف على موضع اسم (أن) أو على الضمير في {برئ} أو على أنه مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: ورسوله بريء منهم. وقرأ الحسن وغيره {ورسوله} بالنصب عطفاً على لفظ اسم {أن}. وقرئ: {ورسوله} بالجرّ على أن الواو للقسم، روى ذلك عن الحسن، وهي قراءة ضعيفة جداً، إذ لا معنى للقسم برسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا، مع ما ثبت من النهي عن الحلف بغير الله، وقيل: أنه مجرور على الجوار.
قوله: {فإن تبتم} أي: من الكفر، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، قيل: وفائدة هذا الالتفات زيادة التهديد، والضمير في قوله: {فَهُوَ} راجع إلى التوبة المفهومة من تبتم {خَيْرٌ لَّكُمْ} مما أنتم فيه من الكفر {وَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي: أعرضتم عن التوبة، وبقيتم على الكفر {فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى الله} أي: غير فائتين عليه، بل هو مدرككم، فمجازيكم بأعمالكم.
قوله: {وَبَشّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} هذا تهكم بهم، وفيه من التهديد ما لا يخفى.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في قوله: {بَرَاءةٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ مّنَ المشركين} إلى أهل العهد خزاعة ومدلج، ومن كان له عهد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج، ثم قال: إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحبّ أن أحجّ حتى لا يكون ذلك، فأرسل أبا بكر وعلياً فطافا في الناس بذي المجاز، وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها، أو بالموسم كله، فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر، وهي: الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات، عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا.
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل، في زوائد المسند، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن عليّ قال: لما نزلت عشر آيات من براءة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال: «لي أدرك أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، فاقرأه على أهل مكة»، فلحقته فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر وقال: يا رسول الله، نزل فيّ شيء؟ قال: «لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت، أو رجل منك».
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه، وأبو الشيخ، وابن مردويه، من حديث أنس نحوه.
وأخرج ابن مردويه، من حديث سعد بن أبي وقاص، نحوه أيضاً.
وأخرج أحمد، والنسائي، وابن المنذر، وابن مردويه، عن أبي هريرة، قال: كنت مع عليّ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فكنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فإن أجله وأمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر، فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحجّ هذا البيت بعد العام مشرك.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: ألا يحجّ بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، فأمره أن يؤذن ببراءة، فأذن علي في يوم النحر ببراءة: أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وأخرج الترمذي وحسنه، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبهيقي في الدلائل، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه علياً وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، فانطلقا فحجا، فقام عليّ في أيام التشريق فنادى: إن الله برئ من المشركين، ورسوله، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجنّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن؛ فكان عليّ ينادى، فإذا أعيا قام أبو بكر ينادي بها.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، وابن المنذر، والنحاس، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن زيد بن تبيع قال: سألت علياً بأيّ شيء بعثت مع أبي بكر في الحج؟ قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة. ولا يطوف بالبيت عريان. ولا يجتمع مؤمن وكافر بالمسجد الحرام بعد عامهم هذا. ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فعهده إلى مدّته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهر.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {بَرَاءةٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} الآية قال: حدّ الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا، وحدّ أجل من ليس له عهد انسلاخ الأربعة الأشهر الحرم من يوم النحر، إلى انسلاخ المحرّم خمسين ليلة. فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد، إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما سمي لهم من العهد والميثاق، وأذهب الشرط الأوّل {إِلاَّ الذين عاهدتم عِندَ المسجد الحرام} يعني: أهل مكة.
وأخرج النحاس، عنه، نحو هذا، وقال: ولم يعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا أحداً.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والنحاس، عن الزهري {فَسِيحُواْ في الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} قال: نزلت في شوّال فهي الأربعة أشهر: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد، في قوله: {وَأَذَانٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} قال: هو إعلام من الله ورسوله.
وأخرج الترمذي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن عليّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحجّ الأكبر، فقال: يوم النحر.
وأخرجه ابن أبي شيبة، والترمذي، وأبو الشيخ، عنه، من قوله.
وأخرج أبو داود، والنسائي، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن قرط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم الفرّ».
وأخرج ابن مردويه، عن ابن أبي أوفى، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوم الأضحى هذا يوم الحج الأكبر».
وأخرج البخاري تعليقاً، وأبو داود، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: «أيّ يوم» هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: «هذا يوم الحجّ الأكبر».
وأخرج البخاري ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن مردويه، عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر: يوم النحر، والحج الأكبر: الحجّ؛ وإنما قيل الأكبر: من أجل قول الناس الحجّ الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحجّ عام حجة الوداع التي حجّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك، وأنزل الله في العالم الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين: {ياأيها الذين ءامَنُواْ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] الآية.
وأخرج الطبراني، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زمن الفتح: «إن هذا عام الحج الأكبر، قال: اجتمع حجّ المسلمين وحجّ المشركين في ثلاثة أيام متتابعات، واجتمع النصارى واليهود في ثلاثة أيام متتابعات؛ فاجتمع حجّ المسلمين والمشركين والنصارى واليهود في ستة أيام متتابعات، ولم يجتمع منذ خلق السموات والأرض كذلك قبل العام، ولا يجتمع بعد العام حتى تقوم الساعة».
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الحسن، أنه سئل عن يوم الحج الأكبر فقال: مالكم وللحج الأكبر؟ ذاك عام حجّ فيه أبو بكر، استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج بالناس، واجتمع فيه المسلمون والمشركون، فلذلك سمي الحج الأكبر، ووافق عيد اليهود والنصارى.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن المسيب، قال: الحجّ الأكبر: اليوم الثاني من يوم النحر، ألم تر أن الإمام يخطب فيه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن المسور بن مخرمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم عرفة: «هذا يوم الحجّ الأكبر».
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن عمر بن الخطاب، قال: الحج الأكبر يوم عرفة.
وأخرج ابن جرير، عن أبي الصهباء البكري قال: سألت عليّ بن أبي طالب عن يوم الحج الأكبر فقال: يوم عرفة.
وأخرج أبو عبيدة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، قال: إن يوم عرفة يوم الحج الأكبر.
وأخرج ابن جرير عن الزبير نحوه.
ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة في كون يوم النحر: هو يوم الحج الأكبر، هي ثابتة في الصحيحين، وغيرهم من طرق، فلا تقوى لمعارضتها هذه الروايات المصرّحة بأنه يوم عرفة.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الشعبي، أنه سئل: هذا الحج الأكبر، فما الحج الأصغر؟ قال: عمرة في رمضان.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن ابن إسحاق، قال: سألت عبد الله بن شدّاد عن الحج الأكبر فقال: الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأصغر: العمرة.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد ابن مسعود، قال: سئل سفيان بن عيينة عن البشارة تكون في المكروه فقال: ألم تسمع قوله: {وَبَشّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.